الجمعة 18 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

90 مليار برميل بترول وموارد طبيعية بلا حدود القطب الشمالى بؤرة صراع جديدة بين أمريكا والقوى العظمى

مع استمرار حلف شمال الأطلسى وروسيا فى توسيع نفوذهما فى القطب الشمالى، فإن مواقع القواعد العسكرية الكبرى تظهر المدى الذى تسعى فيه الدول المختلفة إلى بناء قوتها فى المنطقة.



 

كانت منطقة القطب الشمالى فى الماضى منطقة محايدة سياسيا فى العالم، لكنها أصبحت الآن تعتبر إلى حد كبير بمثابة حدود چيوسياسية وعسكرية. ومنذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، توقفت عملية السلام الدولى فى القطب الشمالى، والآن أصبحت حتى الدول خارج الدائرة القطبية الشمالية، مثل الصين، تبدى اهتماما متزايدا بالمنطقة. 

مع ذوبان الجليد فى القطب الشمالى، تنفتح طرق شحن بديلة، ويعتقد أن هذا هو السبب وراء رغبة الرئيس دونالد ترامب فى السيطرة على جرينلاند من الدنمارك.

ووفقا لتقرير صادر عن مؤسسة سيمونز كندا، وهى جمعية فى ڤانكوفر تقدم معلومات عن نزع السلاح النووى والقانون الدولى والأمن، فإن روسيا لديها 32 موقعا عسكريا تحت المراقبة المستمرة فى منطقة القطب الشمالى اعتبارا من عام 2024، وتملك النرويج 15 موقعا عسكريا خاضعا لمراقبة مستمرة؛ فى حين تملك الولايات المتحدة 10 وكندا 8 والدنمارك 3 تقع فى جرينلاند وأيسلندا موقعا واحدا. وبالتالى، ورغم أن لدى حلف شمال الأطلسى 5 مواقع أكثر من روسيا، فإن روسيا لديها أكبر عدد من سكان القطب الشمالى مقارنة بأى من الدول المطلة على المحيط المتجمد الشمالى.

 أكثر من نصف ساحل القطب الشمالى هو أراض روسية، وفى السنوات الستة الماضية قامت روسيا ببناء أكثر من 475 قاعدة عسكرية على طول حدودها الشمالية، يقول أربعة خبراء فى القطب الشمالى إن الأمر سيستغرق من الغرب ما لا يقل عن 10 سنوات لمواكبة النفوذ الروسى فى المنطقة. كما عملت الصين على توسيع نفوذها فى القطب الشمالى، فيما يعتقد أنه خطوة تهدف إلى تحدى القوة الأمريكية.

يقول أستاذ الجغرافيا السياسية كلاوس دودز، والعميد التنفيذى لكلية العلوم الحياتية والبيئة فى رويال هولواى فى لندن: أصبح القطب الشمالى قضية ساخنة فى الجغرافيا السياسية لأنه يوضح كيف ترتبط التجارة والتمويل والاستقلال الذاتى والتحالفات العسكرية والتخريب تحت الماء والتنافس بين القوى العظمى والصراع خارج الإقليم فى أوكرانيا ببعضها البعض.

ويضيف الرئيس ترامب المزيد من الإثارة إلى كل هذا من خلال انتقاد كندا والدنمارك بسبب إنفاقهما الدفاعى وطمعهما فى جرينلاند.

 وفى يوليو الماضى أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون نسخة محدثة من استراتيچيتها للقطب الشمالى، إذ حددت خططا لتدريبات عسكرية مشتركة مع حلفائها لإظهار الاستعداد القتالى والقدرات العملياتية. وسلطت الاستراتيچية أيضا الضوء على نوايا للعمل مع الشركاء والصناعات المحلية والقبائل الأصلية فى ألاسكا لتعزيز الردع المتكامل وزيادة الأمن المشترك فى المنطقة، ووفقا لاستراتيچية البنتاجون، تعتزم الولايات المتحدة وحلفاؤها تقديم أكثر من 250 طائرة مقاتلة حديثة متعددة المهام، يمكن نشرها للقيام بعمليات فى القطب الشمالى بحلول 2030.

 وشكل القطب الشمالى منذ فترة طويلة ساحة محتملة للحرب، خاصة الحرب النووية. وتفتخر الغواصات الأمريكية والروسية المتمركزة هناك بصواريخ باليستية عابرة للقارات، وتعمل كرادع نووى استراتيچى، بالنسبة لموسكو تشكل شبه جزيرة كولا فى أقصى شمال غرب روسيا بوابة للسفن من أسطولها الضخم من الغواصات التى تعمل بالطاقة النووية بشكل رئيسى. ومن خلال ما يسمى بفجوة GIUK، وهى الفجوة بين جرينلاند وأيسلندا والمملكة المتحدة، يمكن للغواصات الروسية الوصول إلى المحيط الأطلسى؛ وتقع منطقة القطب الشمالى الأمريكية بشكل رئيسى فى ألاسكا، ولا تمتلك الولايات المتحدة سوى قاعدة واحدة فى القطب الشمالى، وهى قاعدة ثول الجوية فى جرينلاند. وفى 16 مارس 2021، نشر الجيش الأمريكى استراتيجيته الجديدة فى القطب الشمالى. وتنص الوثيقة، التى تحمل عنوان استعادة الهيمنة فى القطب الشمالى على أن الجيش يجب أن ينظم نفسه لتحقيق النصر فى القطب الشمالى، وأن المنطقة تمثل ساحة للمنافسة، وخط الهجوم فى الصراع، ومنطقة حيوية تحتوى على العديد من الموارد الطبيعية، ومنطقة حيوية.

وتمتلك الولايات المتحدة حاليا قاعدة جوية واحدة، وهى قاعدة ثول الجوية، الواقعة فى شمال جرينلاند وفى عام 2017، استثمرت الولايات المتحدة 40 مليون دولار أمريكى فى تحسين قاعدة ثول الجوية؛ بعد تصعيد الوجود العسكرى الروسى فى المنطقة. يعد موقع القاعدة الجوية فريدا من الناحية الاستراتچية، إذإنها تقع تقريبا فى منتصف الطريق بالضبط بين واشنطن العاصمة وموسكو.

 وهناك تنافس يشتد بين القوى الكبرى فى منطقة القطب الشمالى بهدف السيطرة على ثروات تقدر بآلاف المليارات مِن الدولارات، منافسة قد تذيب درجة حرارتها الجليد بقدر ما يذيبه الاحتباس الحرارى، وما بين بعثات علمية ومناورات عسكرية وتحركات دبلوماسية كثرت المحاولات الأمريكية والروسية والصينية لإقامة مناطق استيطان أو توسع لاكتناز المخزونات تحت الجليد، فيما توالت التحذيرات والدعوات إلى تجنب عسكرة القطب الشمالى، الذى خلال العقود الأربعة الماضية تقلصت مساحة وحجم الجليد فى المنطقة بنسبة 35 % ويتوقع العلماء بأن يصبح المحيط الشمالى خاليًا من الجليد قبل 2050 أو قبلها بقليل,ومساحات واسعة من المياه بدأت تتكشف وبدأت معها إمكانية التنقيب والملاحة عبر تلك الممرات؛ كما بدأت فى المنطقة أنشطة اقتصادية وتجارية وعسكرية كانت مستحيلة قبيل ذوبان الجليد.

وقد ظهر الصراع فى 2015 بعد أن صدرت دراسة عن جامعة ستانفورد الأمريكية قدرت أن المنطقة تحوى 90 مليار برميل من النفط أى ما يوازى 15 % من حجم احتياطات العالم، و17 تريليون قدم مكعب من الغاز أى 30 % من الاحتياطى العالمى، و44 مليار برميل من الغاز المسال أى 26 % من الاحتياطى العالمى، وكميات هائلة من النيكل والماس والزنك إضافة إلى ما يعرف بالعناصر الطبيعية النادرة، وهى المواد التى تستخدم فى صناعات مختلفة بينها الصناعات العسكرية، وقد أصبحت منطقة القطب الشمالى ساحة معركة للعديد من الدول بدءا من النرويج إلى روسيا والصين والولايات المتحدة، حيث أدى ذوبان الغطاء الجليدى إلى جعل المنطقة أكثر سهولة للشحن وكذلك استخراج النفط والغاز، ما جعل الدول المجاورة والنائية تسعى إليها بشكل متزايد.

 وقد نشرت القوات البرية الأمريكية استراتيچية جديدة للعمل فى القطب الشمالى تنص على إنشاء مقرات ووحدات قادرة على العمل فى جميع مجالات الصراع المسلح، وتنطوى أيضا على تعزيز مواقع واشنطن فى المنطقة، وفقا لما كتبته Defense News. والهدف، كما تؤكد الدورية الأمريكية هو أن تعمل هذه الاستراتيچية كوسيلة لحماية مصالح الولايات المتحدة الوطنية، وإبراز قوتها على المستويين الإقليمى والعالمى، وحماية الجزء القارى من الولايات المتحدة، وقد طورت القوات المسلحة الأمريكية هذه الاستراتيچية بنتيجة تزايد أهمية للقطب الشمالى والتهديدات المتزايدة فى المنطقة، حيث يواصل خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا والصين المطالبة بهذه المنطقة الشمالية والممرات المائية بسبب المصالح الاقتصادية، والصراع من أجل السيطرة على منطقة القطب الشمالى ينمو يوما عن يوم. فقد انتقل الاستكشاف القطبى من مجال العلوم إلى ساحة الاقتصاد، مما قاد إلى جدال سياسى حاد بين الدول المتاخمة للمنطقة القطبية الشمالية، وفى الفترة الأخيرة، تزداد وتائر التصريحات الأمريكية حول إضعاف الوجود الروسى فى القطب الشمالى وتدويل طريق بحر الشمال. أى أنهم فى واشنطن يدفعون نحو تحويل طريق بحر الشمال إلى شريان نقل مفتوح للمجتمع العالمى بأسره، وحرمان موسكو من وضعه كخط نقل وطنى روسى. وأصبحت منطقة القطب الشمالى ساحة للمنافسة العالمية على تدفقات النقل والموارد الطبيعية ذات الأهمية العالمية.

وتم إنشاء منتدى رفيع المستوى جديد للتعاون فى القطب الشمالى من قبل الدول الثمانى ذات السيادة على الأراضى فى تلك المنطقة وهى كندا والدنمرك وفنلندا وأيسلندا والنرويج وروسيا والسويد والولايات المتحدة التى تحتفظ بأكثر من 22 ألف جندى نشط فى ألاسكا ولديها أيضا قاعدة فى جرينلاند. وفى الشهر الماضى أنشأ البنتاجون مكتب استراتيچية القطب الشمالى والمرونة العالمية بقيادة إيريس فيرچسون كنائبة مساعدة لوزير الدفاع لشئون القطب الشمالى وهو منصب جديد، وهذه الأسباب كلها هى التى دفعت دونالد ترامب لمحاولة السيطرة على جزيرة جرينلاند فى القطب الشمالى وهى أكبر جزيرة فى العالم، والتى تتمتع بحكم ذاتى تحت السيادة الدانماركية لما فيها من ثروات، وبينما قوبل الاقتراح بالرفض التام من الدانمارك عند طرحه للمرة الأولى، أعاد ترامب فتح الملف مع تهديد بفرض تعريفات تجارية عالية جدا على الدانمارك إذا لم تقبل الصفقة، حسب ما ذكره تقرير لوكالة بلومبيرج، فإن جرينلاند ليست مجرد جزيرة ذات مساحة شاسعة تفوق مساحة المكسيك بل هى أيضا بوابة استراتيچية تقع بين المحيط الأطلسى الشمالى وأمريكا الشمالية، وتعتبر الجزيرة مركزا للمصالح العالمية بسبب احتياطاتها الهائلة من المعادن والوقود الأحفورى. كما أنها تستضيف القاعدة الجوية الأمريكية ثول التى تعتبر الأهم فى أقصى الشمال لمراقبة التهديدات الصاروخية وتتبع الأجسام الفضائية، وفى حديثه عن أهمية جرينلاند، أشار ترامب إلى أنها ضرورية للأمن القومى الأمريكى وسبق أن وصفها خلال ولايته الأولى بأنها صفقة عقارية كبيرة يمكن أن تخفف من الأعباء المالية للدانمارك.

وتاريخيا، لم يكن شراء الأراضى أمرا غريبا بالنسبة للولايات المتحدة. فقد اشترت لويزيانا من فرنسا مقابل 15 مليون دولار عام 1803، وألاسكا من روسيا مقابل 7.2 ملايين دولار. بل إن الدانمارك نفسها باعت ما تعرف الآن بجزر فيرچن الأمريكية عام 1917، وقد حاول الأمريكيون شراء جرينلاند عام 1946 عندما عرض الرئيس الأمريكى هارى ترومان على الدنمارك 100 مليون دولار مقابل الجزيرة، وكان قد عرض فى وقت سابق مقايضة أراضى فى ألاسكا مع مناطق استراتيچية فى جرينلاند، حيث اعتقد المسئولون الأمريكيون فى ذلك الوقت أن السيطرة على جرينلاند ضرورة عسكرية. وكان من المفترض أن يظل هذا العرض الذى قدم فى عام 1946 سريا، ولم يتم الكشف عنه على نطاق واسع إلا فى عام 1991، عندما نشرت إحدى الصحف الدنماركية وثائق رفعت عنها السرية.